« للقدس دورٌ عبرَ التاريخ .. لم تتخلف عنه أبداً »
صحيحٌ ان القدس لم تكن يوماً عاصمة للخلافة الاسلامية .. أو حتى عاصمة لولاية الشام .. إلا ما كان من الخليفة هشام بن عبد الملك - رحمه الله - يوم اقترب الى القدس فجعل من مدينة "الرملة" مقراً لبعض دواوين الخلافة .. وصحيحٌ أن العديد من خلفاء الامة رغبوا أن تكون بيت المقدس عاصمة لهم .. ولم لا تكون وهي القبلة الاولى ، وثاني المسجدين ، وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال ؟! وربما حاول بعض الخلفاء أن يجعلوا من القدس فعلاً عاصمة لهم .. لكنهم لم يوفقوا يوماً إلى هذا !! والسبب في ذلك : أن للقدس منذ كانت ، دورٌ عبر التاريخ .. ووظيفة ميزتها عن غيرها من المدن .. ولم يكن هذا الدور وهذه الوظيفة لتقلل من قيمتها أو وزنها في الاعتبار الشرعي أو المستوى الاستراتيجي أو الحجم السياسي .. بل كانت القدس دوماً منفردة في ذلك كله ..
وينطلق هذا الدور من إعطاء ساكني "بيت المقدس وأكنافها" : رجالهم ونسائهم وإمائهم صفة "المرابطين" .. وهي صفة لم تعط أبداً لجمع آخر غيرهم ، بصفتهم شعباً ، وإنما تسمى بالرباط من تمترس على ثغر من ثغر الاسلام أو رابط في موقع من المواقع .. التي تحتاج لسهر وتيقظ دائمين ، وعادة ما يكون المقصود (الرباط على الحدود) ، ما بين المسلمين وأعدائهم ، أما أن تعطى صفة الرباط لشعب بأجمعه .. فهذا لم يحصل لغير شعب فلسطين .. أو كما كان يسمى في القديم "اهل الشام".. ومعهم أجزاءٌ من سوريا ولبنان والاردن .
وجاءت هذه المعاني في حديث دون درجة الصحيح فيما رواه الصحابي الجليل معاذ رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " يا معاذ .. إن الله سيفتح عليكم الشام من بعدي .. رجالهم ونساؤهم وإماؤهم مرابطون إلى يوم القيامة .. فمن سكن ساحلاً من سواحل الشام أو(بيت المقدس) فهو في جهاد في سبيل الله الى يوم القيامة " ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. وهنا وقفات لا بد منها : إذ أن الفتح كان مصدره المباشر "الله".. ومعلوم أن ما فتحه الله لا يغلق .. وعليه يكون احتلال الدول لبيت المقدس قديماً وحديثاً إنما هو من باب المرور الذي يتخلله بعض المكوث . ثم تنبأ صلى الله عليه وسلم أنَ الفتح سيكون بعد مماته ، وهذا ما كان . ثم أشار الى موضوعنا الذي نحن بصدده من أن أهل الشام أو بيت المقدس بمجموعهم "مرابطون" !!
والسؤال الذي يعرض لنا على الفور : لم تسمُوا بالمرابطين .. بينما الرباط يكون في الثغر وعلى الحدود مع الاعداء ؟
إلا أن تكون الشام وسواحلها وبيت المقدس بمثابة "الحدود" بين المسلمين وأعدائهم على مرَ الزمن وإلى يوم القيامة ..
وإذا تفحصنا التاريخ وقلبنا صفحات الأمم وتجاوزنا غابرالأمم ، لوجدنا الآتي : غزا التتارُ المسلمين في بغداد .. لكن مقاضاتهم كانت في شمال بيت المقدس في "عين جالوت". وغزا الصليبيون مصر والشام .. فكانت مقاضاتهم في شمال بيت المقدس في " حطين" . وغزا نابليون أكثر الدول ، وكذلك مصر والشام .. فكانت مقاضاته في "عكا". وغزت بريطانيا العرب وسلمت الصهيونيين فلسطين .. ولا نرى مقاضاتهم إلا في بيت المقدس وأكنافها ، استشرافاً للآية الكريمة (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءو وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا) . وسيغزو الدجال البلاد .. وسيقاضيه المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام - في غرب القدس في "اللد" . وسيغزو قومُ يأجوج ومأجوج البلاد .. وستكون مقاضاتهم في بيت المقدس وأكنافها ، كما جاء في الخبر الصحيح .
أرأيت أخي .. كيف كانت وستظل بيت المقدس حدوداً تجري على ساحاتها حرب الأعداء ومقاضاتهم على مرَ العصور. وإذا كان هذا حالها .. أليس بحري بالذي يسكنها وهي الحدود .. أن يسمى مرابطاً ؟ ولو كان الذي يسكنها شعباً بأكمله .. رجالهم ونساؤهم وإماؤهم .. مرابطون ! وإذا كان الأمر كذلك .. وبيت المقدس "حدوداً "، كانت ولا تزال وستبقى الى أن يُقاضى يأجوج ومأجوج .. فلا عجب إذن أن أعفيت بيت المقدس من القيام بدور" العاصمة " ، إذ لا ينبغي أن تقام العاصمة على الحدود .. وأُسند لها بدلاً من ذلك دور" القضاء والمحكمة " ، وهل تعَير مدينة بهذا الدور المهيب ؟ .. ولا بأس بعد ذلك لو مكث المتهم في أرض المحكمة سبعين سنة وثمانين ، الى أن يقضى في أمره .. فإن الواحد من الناس ، ترفع ضده القضية فتدوم سنين وسنين !
فمن يا ترى المسجون فينا ؟ من ينتظر حكم القضاء فيه ولوتزيا باللباس العسكري ؟ أم من تراه مكبلاً بالأصفاد .. منتظراً محتسباً .. موقناً بعدالة القضاء ؟!
.::
http://www.qudsmedia.net ::.